صندوق استثماري ثلاثي بين أمريكا والمغرب وإسرائيل... ماذا ستجني كل دولة؟

صندوق استثماري ثلاثي بين أمريكا والمغرب وإسرائيل... ماذا ستجني كل دولة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 26 مايو 202511:32 ص

فتَح تطبيع العلاقات الرسمية بين إسرائيل والمغرب، أبواباً جديدةً للتعاون بين البلدين، لكن يبدو أنّ وتيرة التقارب لم تسِر بالشكل الذي كان مخططاً له من قبل دوائر صنع القرار الأمريكي، لذا طُرح مقترح تأسيس صندوق استثماري ثلاثي يجمع واشنطن وتل أبيب والرباط، بهدف إقامة مشروعات مشتركة ودفع عملية التطبيع إلى الأمام.

المقترح أفصح عنه المجلس الأطلسي، من خلال تقرير أعدّه عيسى كريستوف أغوستيني، المستشار الاقتصادي والإستراتيجي ومؤسس شركة "بروسبر أطلس" الاستثمارية، والتي تركّز على الشراكات الثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب. يقول أغوستيني، إنّ عهداً جديداً من التعاون السياسي والاقتصادي بدأ بين المغرب وإسرائيل منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020، وذلك من خلال تزايد الزيارات الثنائية، والاتفاقيات التجارية، والشراكات التكنولوجية الناشئة، إلا أنّ هذا الزخم لا يزال هشّاً ومجزّأً وغير مكتمل.

ويمهد أغوستيني، لمقترحه: "من دون آلية مشتركة، يظلّ التعاون بين البلدين عرضةً للتقلبات السياسية، ويفتقر إلى رؤية للمستثمرين على المدى الطويل، لذا فإنّ الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل لديها فرصة لقيادة صندوق استثماري مشترك ومنتدى تنسيقي مستقبلي من شأنه أن يحوّل الدبلوماسية إلى بنية تحتية دائمة تحقق نتائج ملموسةً".

قوّة مالية ومنصّات صناعية ومنظومة ابتكار

وبحسب المقترح، فإنّ هذا الصندوق سيُدار بشكل مشترك من قبل المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، وسينسّق تمويل المشاريع الإستراتيجية في مجالات الطاقة والبنية التحتية الرقمية والصناعات المتقدمة وتقنيات الأمن، وصناعة الدفاع، والصناعة البحرية، والابتكار اللوجستي الإقليمي، وذلك بشكل مباشر ومشترك في مزيج مثالي بين القوة المالية والسياسية الأمريكية، والمنصات الصناعية المغربية، ومنظومة الابتكار الإسرائيلية، بهدف تعزيز القدرة التنافسية، وخلق فرص العمل، وتأمين سلاسل التوريد الإقليمية بشكل جماعي.

وعلى وجه الخصوص، ستجني الولايات المتحدة مكاسب عديدةً من هذا الصندوق الذي يأتي، بحسب التقرير، في توقيت مناسب، حيث سيُشكّل ثقلاً موازناً للنفوذ المتزايد للقوى المتنافسة، وتحديداً الصين وروسيا وإيران، حيث تُرسّخ هذه القوى الثلاث أجنداتها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والبحر الأبيض المتوسط من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة والموانئ والأمن، وتالياً إذا صُمّم هذا المنتدى الثلاثي المقترح بموارد مالية مناسبة، فسيُوفّر بديلاً موثوقاً للتمويل والمشاريع التنافسية التي من شأنها تعزيز المصالح الأمريكية.

الصندوق الاستثماري الثلاثي بين أمريكا والمغرب وإسرائيل يعود للواجهة اليوم كجزء من محاولة أمريكية لتقليص تأثير الصين وروسيا في شمال إفريقيا، خصوصاً بعد تقدم المغرب في مشاريعه مع بكين ونيودلهي. لذا تسعى واشنطن لخلق بديل اقتصادي موثوق يعزز مصالحها ويوقف تمدد خصومها

إلى ذلك، سيساعد الصندوق على نشر ما يسمّى بـ"عائد التطبيع" المتوقع من اتفاقيات إبراهيم، فمنذ توقيعها قبل خمس سنوات ظلّت معظم المشاركة ثنائيةً وغير منظمة، وغالباً ما كانت مدفوعةً بوزارات فردية أو جهات فاعلة من القطاع الخاص أو شركاء خارجيين دون رؤية أو منصّة مشتركة. 

ومن الممكن أيضاً أن يحقق هذا الصندوق فوائد ملموسةً، تشمل خلق فرص عمل محلية، وإشراك الشركات الأمريكية في المبادرات الإقليمية من خلال اشتراط الحصول على قروض أمريكية أوّلية، ونمو التجارة الثلاثية، وأمن سلسلة التوريد، فضلاً عن دمج شركاء أمريكا الآخرين في المنظومة الشاملة لاتفاقيات إبراهيم، حسب ما يذكر أوغستيني.

معطيات جديدة وإعادة طرح سابق

طُرح هذا المقترح من قبل، تحديداً بين عامي 2020 و2022، بالصيغة نفسها، لكنه يعود اليوم إلى الساحة لاعتبارات عديدة، حسب ما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد بن عبد الله المغربية، الدكتور خالد يايموت، لرصيف22.

ويشرح يايموت، أنه كان من المفترض أن يكون هناك تعاون كبير بين أمريكا وإسرائيل والمغرب، في ما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، خاصةً في المجال الأمني والعسكري، وتم توقيع بروتوكول اتفاق في هذا الشأن، ولكن حتى الآن لم يُنجَز منه شيء، فأدى ذلك إلى انفتاح المغرب على الهند والصين لتنفيذ عدد من المشروعات في هذا المجال، وبالفعل حدث تقدم كبير في هذا الملف، خاصةً في ما يتعلق بصناعة وإصلاح الطائرات المُسيّرة.

وأدى تقدّم المغرب في علاقته بالهند والصين إلى تحرّك أمريكي وإسرائيلي، تمثّل في إعادة طرح هذا المقترح كـ"إشارة دبلوماسية" ترمي إلى تنبيه اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، والذي له تقاطعات مع لوبيات أخرى مساندة للمغرب في بعض القضايا، مثل قضية الصحراء المغربية، بهدف إعادة طرح هذه الرؤية القديمة، ومن ثم استعادة النفوذ الإقليمي لإسرائيل وأمريكا في شمال إفريقيا، يضيف يايموت.

وأسهم معطى آخر خلال الأشهر الأربعة الماضية، في ظهور هذا المقترح من جديد، وهو تواصل وعمل دؤوب تجاوز المسائل النظرية بين السعودية والمغرب وتركيا، في ما يتعلق بصناعة وإصلاح الطائرات من دون طيار، وذلك من خلال تمويل سعودي وتكنولوجيا تركية. وبحسب يايموت، عُدّ هذا المشروع خسارةً للإسرائيليين والأمريكيين حين طُرح في 2020، وحين أُعيد طرحه في 2022، ومن هنا طُرح المقترح الأمريكي في سياق مواجهة مزاحمة المشروع الأمريكي في المنطقة والتي تقوم بها دول عدة.

المقترح يهدف إلى ترسيخ نتائج اتفاقيات إبراهيم بتحويل العلاقات الثنائية إلى شراكة اقتصادية دائمة، تتجاوز الحالة السياسية المتقلبة. من خلال خلق فرص عمل، وتمويل مشاريع مشتركة.

ويبدو أنّ التقدم الذي حققه المغرب في مجال التنقيب عن النفط في مياه الصحراء الغربية بعد التعاون مع الصين والهند وتركيا، قد أسهم أيضاً في طرح الرؤية الأمريكية من جديد، خاصةً أنّ هذا الأمر سبق أن طرحته الولايات المتحدة في 2020، من خلال شركات إسرائيلية، لكنه لم يُنفّذ على أرض الواقع.

ويرى يايموت، أنّ المغرب لن يدخل في هذا الصندوق المقترح حال تنفيذه بشكل منفرد، فقد تشمل هذه المبادرة دولة الإمارات أيضاً.

ولكن في ظلّ الظروف الدولية الحالية وقريبة المدى، يستبعد يايموت، تنفيذ هذا المقترح حتى وإن تم الاتفاق "على الورق" وإضفاء طابع "إغرائي سياسي" عليه، خاصةً أنّ المغرب يجمّد علاقاته بشكل شبه تام مع الحكومة الاسرائيلية الحالية بسبب الحرب في غزّة، وإن كانت هناك علاقات تجارية واقتصادية لكنها بمعدل أقلّ من الماضي.

ترسيخ نتائج التطبيع على الأرض

المقترح الأمريكي مماثل للصندوق الإماراتي الاستثماري مع إسرائيل في القدس، وهو من ثمار التطبيع، ويحوّل العلاقات الثنائية إلى حالة مستدامة من الترابط والتعاون بين إسرائيل والمغرب، ويتم من خلاله مأسسة هذه العلاقة كعامل جذب للمستثمرين بعيداً نوعاً ما عن الحالة السياسية في الشرق الأوسط وتوتره، وتالياً هو أداة لتكريس التطبيع قولاً وفعلاً وترسيخ نتائجه على الأرض بما يتواءم مع عمق العلاقات السياسية، تقول الباحثة في العلوم السياسية الدكتورة إلهام شمالي، لرصيف22.

وترى شمالي، أنّ العلاقات الاقتصادية هي قاعدة أساسية لبقاء العلاقات السياسية الإسرائيلية مع الدول العربية، ففي حال حدوث أي تعثّر بين البلدين لا يمكن الانفكاك اقتصادياً بموجب عقود الشراكة بين الطرفين، ومن هنا يمكن فهم التغلغل الإسرائيلي الأخير في مجال الطاقة المغربية وتخزينها، وكذلك الهندسة النانوية، حيث حصلت شركة إسرائيلية على حقوق التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه الصحراء الغربية واستغلال الهيدروكربون البحري في مساحة لا تقلّ عن 34 ألف كيلومتر مربع.

وفي المقابل، يعلم المغرب جيداً أنّ طريقه إلى البيت الأبيض يتوقف على متانة علاقته بإسرائيل. وبحسب شمالي، فإنّ الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، هي إدارة تجارية استثمارية بالدرجة الأولى، والاقتصاد لديها هو محرّك للسياسة، لذا اتجهت الرباط خلال السنوات الأخيرة إلى تعميق علاقاتها التجارية والاستثمارية مع تل أبيب، وهو ما ركزّت عليه خلال السنوات الأخيرة، لترتفع عام 2024 إلى نحو 600 مليون دولار، كما أنّ إسرائيل هي ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى المغرب بقيمة 13 مليار دولار، تضيف شمالي.

أما الولايات المتحدة، فترغب من خلال هذا الصندوق في وقف التغلغل الروسي الصيني في الجناح الإفريقي الشمالي، والتصدّي لمحاولات الدولتين الحصول على موطئ قدم فيه، بحسب شمالي. 

مقايضة إسرائيلية مغربية

وتذكر الدكتورة هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، لرصيف22، أنّ العائد من هذا الصندوق الثلاثي المقترح لا يُقدّر بالمردود الاقتصادي، وإنما يرتبط الأمر في مثل هذه الحالات بما هو أبعد من ذلك، حيث تهدف إسرائيل إلى كسب نفوذ في المنطقة العربية وترسيخ التعاون الأمني، وتالياً كسب شرعية دون ثمن تدفعه، وذلك بغضّ النظر عن جرائم الإبادة التي ترتكبها في غزّة.

يستخدم المغرب ورقة التطبيع لتحسين موقعه في ملف الصحراء الغربية، إذ يعد الانخراط في هذا الصندوق وسيلة لتعزيز الدعم الإسرائيلي والأمريكي. لكن وتيرة التطبيع تبقى مرتبطة بالسياق السياسي، خصوصاً في ظل الحرب على غزة، ما يضع الرباط بين حسابات الربح والمصداقية

وربما يحقق المغرب من وراء هذه المشروعات أهدافاً اقتصاديةً آنيةً، أو سياسيةً وعسكريةً، ترتبط ببسط سيادته على الصحراء الغربية، لكن بمنطق الربح والخسارة لا يوجد ما يستدعي اتجاه المغرب إلى الإسراع في وتيرة التطبيع في ظلّ هذه الظروف التي يتعرض فيها سكان غزّة للإبادة، خاصةً أن تنفيذ مثل هذه المشروعات في هذا التوقيت تقلل من مصداقية هذا البلد، بحسب تعبير غانم.

وترى غانم، أن مثل هذه المشروعات المطروحة ربما تكون جزءاً من مقايضة جرت مع المغرب، اعترفت بمقتضاها إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في عام 2023، مقابل الإسراع في وتيرة التطبيع.

وتعتقد رئيس مركز "مدار"، أنّ هذا المقترح - حال تنفيذه - لن يكون له أثر في التوسع في اتفاقيات إبراهيم، وزيادة عدد الدول العربية التي تقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لأنّ تطبيع كل دولة على حدة يرتبط بالأساس بالظروف المحلية لكل دولة والتي تدفعها إلى التطبيع، أكثر من كونه مرتبطاً بمآلات تطبيع دولة أخرى.

لكن "غانم"، ترى أيضاً أنّ هذه المشروعات ومثيلاتها تُسقط "حاجز الخجل" نهائياً، ليصبح التطبيع مع إسرائيل أو الاستمرار فيه -في ظلّ الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون- أمراً عادياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image